0
بسم الله الرحمن الرحيم
 الخطبة الاولى
 الحمد لله، ثمّ الحمد لله، الحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنّا لِنَهْتَدِيَ لولا أن هدانا الله، وما توفيقي، ولا اعتصامي، ولا توكّلي إلا على الله، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقرارًا لرُبوبيَّته، وإرغامًا لمن جحد به وكفر، وأشهد أنّ سيّدنا محمّدًا صلى الله عليه وسلّم رسول الله، سيّد الخلق والبشر، ما اتَّصَلَت عين بنظر، أو سمعت أذنٌ بِخَبر، اللَّهمّ صلّ، وسلّم، وبارك على سيّدنا محمّد، وعلى آله وأصحابه، وعلى ذريّته، ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدّين، اللَّهمّ ارْحمنا، فإنّك بنا راحِم، ولا تعذّبنا فإنّك علينا قادر، والْطُف بنا فيما جرَتْ به المقادير، إنَّك على كلّ شيءٍ قدير، اللّهمّ علّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علّمتنا وزدْنا علمًا، وأرنا الحقّ حقًّا وارزقنا اتّباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممَّن يستمعون القول فيتّبعون أحْسنه، وأدْخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 أيها الإخوة المؤمنون، لازلنا في الموضوع المُتَسلْسِل حول الرحمة التي هي من لوازم المؤمن، وكيف أنّ هذه الرحمة تبْدو على شكل برّ الوالدين وإكرام اليتيم.
 واليوم نتحدّث عن إكرام الجار، الشيء الذي يُلفتُ النّظر في الأحاديث الشريفة أنّ النبي عليه الصلاة والسلام ربَط الإيمان كلّهُ بإكرام الجار، بل نفى عن الذي لا يأمنُ جارهُ بوائقه الإيمان ! إذًا كم هي علاقة هذا الخلق بالإيمان ؟ علاقةٌ وشيجة، بل هي علاقة ترابطيّة، فلو أُلغِيَت لأُلغيَ الإيمان.
 أيها الإخوة الأكارم، قد يسألُ أحدكم هذا السؤال: الناس يُسيؤون إلى جيرانهم إساءةً بالغة، وهذا شأنُ الناس اليوم، فما جَدْوى الحديث في هذا الموضوع ؟!
 الجواب أيها الإخوة، نحن في خُطب الجمعة لا نُصَوِّرُ الواقع، ولكن نريد أن ننْهضَ به، لا نتحدّث عمّا هو كائن، بل عمّا يجبُ أن يكون، لا نتحدّث عن سقطات الناس، وعن غفلتهم، وعن تقصيرهم، وعن انحرافهم، بل نتحدّث عن الشّرع الحنيف الذي جاء به النبي الكريم، وعن المُثل العليا الواقعيّة التي تمثّلها الصحابة الكرام، فَمُهِمَّةُ الخطيب لا أن يُصوّر الواقع، هذه مهمّة كتّاب القصّة، مهمّة الخطيب أن ينهضَ بهذا الواقع المرّ، أن ينهضَ بهذا الواقع المؤلِم، حينما يتدابرُ الناس، حينما يتخاصمون، حينما يتشاحنون، حينما يُسيءُ بعضهم إلى بعضٍ، عندئذٍ نُزِعَتْ هَيْبتُهم من قلب أعدائهم.
 أيها الإخوة المؤمنون، للجار على الجار في القِيَم الإسلاميّة، وفي الآداب الشرعيّة حقوقٌ تُشبِهُ حقوق الأرحام، وهو الشيء الذي يلفتُ النظر، من هذه الحقوق المواصلة بالزيارة، قد يُسْألُ جارٌ من الذي فوقك ؟ فيقول: لا أدري ! في بناءٍ واحد، ومن عشر سنوات، لا يدري من هو فوقه، المواصلة بالزيارة، والتهادي، أن يُهْدِيَ كلٌّ منهم الآخر هديّة تعبيرًا عن المودّة، والعبادة حين المرض، والمواساة حين المصيبة، والمعونة حين الحاجة، وكفّ الأذى.
 ويا أيها الإخوة الأكارم، أتمنَّى أن يتّضح لكم ماذا يفسّر العلماء كلمة: وعاشروهنّ بالمعروف، مع الفارق طبعًا، ليْسَت المعاشرة بالمعروف أنْ تمْتَنِعَ أن إيقاع الأذى، بل المعاشرة بالمعروف أن تحْتَمِلَ الأذى، وفرْقٌ كبير بين أن تمتَنِعَ عن إيقاع الأذى، وبين أن تحْتَمِل الأذى، كفّ الأذى احْتِمال الأذى، المناصرة بالحق، النّصْح للجار، تَهْنِئَة الجار، تَعْزِيَة الجار، مشاركة الجار في المسرات والأفراح، مُواساتهُ في المصائب والأحزان، حقّ الشُّفْعة، وحقّ الشّفعة عدَّه بعض العلماء حقًّا مُلزِمًا، أيْ إذا كنتَ تسْكن في بيتٍ، في طابقٍ واحد، ولك جارٌ أراد أن يبيعَ بيتهُ يجب أن يسألك قبل كلّ شيءٍ، فهو مُلزمٌ أن يبيعهُ لك بالسّعر الرائج فإذا باعهُ لِغَيرك يمكن أن تُقيم عليه دعْوى، والقاضي يُلزمُه بِفَسْخ البيع وبيْعِهِ لك، هذا هو حقّ الشّفعة، في بعض المذاهب حقّ مُلْزم، لذا المواصلة بالزيارة، والتهادي والعيادة، والمواساة والمعونة، وكفّ الأذى، واحتمال الأذى، والمناصرة بالحقّ، والتّهْنِئة، والتّعزِيَة، والمشاركة في المسرات والأفراح، والمواساة في المصائب والأحزان، وحقّ الشّفعة.
 في القرآن الكريم آيةٌ دقيقة، يقول الله جلّ جلاله:

﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً﴾
[ سورة النساء ]
 مَوْطن الشاهد ؛ والجار ذي القربى، وقد انقسمَ المفسّرين في تفسير والجار ذي القربى والجار الجنب إلى فريقين ؛ الفريق الأوّل فَهِمَ الجار ذا القربى هو الجار الأقرب، والقريب الملاصق، الآن الأبنيَة الحديثة في مستوى واحد، أنت في شقّة، وهو في شقّة، هذا هو الجار الأقرب، والجار ذي القربى، وأما الجار الجنب فهو الذي جانبَكَ، أيْ ابْتَعَدَ عنك، وفي حديث سيَرِدُ بعد قليل:
((إن أربعين دارًا شرقًا كلّهم جيرانك...))
 وقد نضيفُ وأربعين فوقًا، وهذا في الأبْنِيَة الشاهقة، وفي بعض البلدان: وأربعين تحتًا، ستّ جهات كلّهم جوار، الاتِّجاه الآخر في معنى الجار ذي القربى، والجار الجُنُب، الجار القريب نسبًا، والجار الجُنب ؛ الجار غير القريب نسبًا، جارٌ وجار أقرب هو المعنى الأوّل، المعنى الثاني جارٌ قريبٌ نسبًا، وجارٌ لا يمدّ لك بِنَسبٍ، على كلٍّ الله جلّ جلاله، والنبي عليه الصلاة والسلام أوصى بالجار عُمومًا، وخصّ الجار المسلم والجار القريب بِميزَتَين، فإذا كان لكل جارٍ حقّ عليه، فللجار المسلم حقّان ؛ حقّ الجِوار وحقّ الإسلام، والجار المسلم القريب ثلاثة حُقوق ؛ حقّ الجار، وحق الإسلام، وحقّ القرابة.
 أيها الإخوة الأكارم، إلى السنّة النبويّة المطهّرة، روى البخاري ومسلم عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((مَا زَالَ يُوصِينِي جِبْرِيلُ بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ))
[ رواه البخاري ]
 علاقات الإرث هي علاقات القرابة فقط، مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظَنَنْتُ أنّه سيُورُّثه، أغلبُ الظّن أنّ القريب تراه في الأسبوع مرّة، وهناك قريب تراه في الشّهر مرّة، ومعظم الأقارب تراه في العام مرّة ؛ في العيد فقط، لكنّ الجار تراه كلّ يومٍ عشر مرّات، خمسين مرّة، مرّة، فالجار دائمًا أنت وإيّاه في مكان واحد، لذلك لمّا جاء عمرَ بن الخطاب رجلٌ، وسألهُ: هل يعرفُك أحد ؟ قال: نعم، فلان يعرفني، فقال: ائتني به، فلما جاء به، قال له: هل تعرفهُ ؟ فقال: نعم، قال: هل جاورْتَهُ ؟ قال: لا، قال: هل سافرتَ معه ؟ قال: لا، قال: هل حاككْتَهُ بالدّرْهم والدِّينار ؟ قال: لا، فقال عمر: أنت لا تعرفهُ، لذلك من الذي يعرفُك حقّ المعرفة ؟ جارُك، لأنّهُ مطّلِعٌ عليك، في مَدْخلك، ومخرجك، وفي شأنك كلّه، لذلك:
((مَا زَالَ يُوصِينِي جِبْرِيلُ بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ))
 عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ قِيلَ وَمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الَّذِي لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَايِقَهُ))
[ رواه البخاري ]
 شيءٌ مُخيف، نفى عنه الإيمان كليَّةً بِقَسَمٍ وتَكرار، القسَم مؤَكِّد، والتَّكْرار مُؤَكِّد، والبوائق جمْعُ بائقة، السّرور والغوائل، وفي رواية لمسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((قَالَ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ))
[رواه مسلم ]
 كلُّ الذي أُريدُه أنْ تفْهموا الإسلام فهْمًا حقيقيًّا، فالإسلام معاملة، والإسلام أخلاق، الإسلام قِيَم، الإسلام مُثُل، الإسلام الْتِزام، والبخاري ومسلم في صحيحيهما عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يُؤْذِ جَارَهُ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ))
[ متفق عليه ]
 يعني من لوازم الإيمان بالله تعالى، وباليوم الآخر، إكرام الجار، وإكرام الضَّيف، والتّكلم بالحق، والسّكوت عن الباطل، هذه أساسيّات أخلاق المسلم.
 عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُحْسِنْ إِلَى جَارِهِ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَسْكُتْ))
[ رواه مسلم ]
 كُنَّا في كفّ الأذى، كنّا في عدم الأذى، وفي النّهي عن الأذى، وفي أن يأْمَنَ جارُه بوائقهُ، والآن إذا كنتَ مؤمنًا بالله واليوم الآخر عليك أن تُحْسِن إلى جارك، كنّا في المواقف السَّلْبيّة ؛ عدم الأذى، وعدم الإقلاق، عدم الإزعاج، والآن الإحْسان.
 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((خَيْرُ الْأَصْحَابِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِصَاحِبِهِ وَخَيْرُ الْجِيرَانِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِجَارِهِ))
[ رواه الترمذي ]
 صاحبان، صديقان، شريكان، جاران، خيرُ الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه، إذا فقْتَهُ بالإحسان فأنت أفضلُ منه، إذا فقْتَهُ في الانضباط فأنت أفضلُ منه، إذا فقْتَهُ في العفو فأنت خير منه.
((خَيْرُ الْجِيرَانِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِجَارِهِ))
 أيها الإخوة، نحن نتحدّث عن أقوال النبي عليه الصلاة والسلام نطْربُ لها، والله الذي لا إله إلا هو، لو طبَّق أحدهم بعض هذه الأحاديث لطربَ حينما يطبّقها، وحينما يشعر أنَّه وفق السنّة، لقطَفَ ثِمارها، شتّان إذا تخيَّلْت جارًا محسنًا لجاره شعَرْتَ بِنَشْوَة، فكيف إذا أحْسنْتَ فِعلاً؟ المَوْقف العملي أبلغُ بِكَثير من أيّ مَوْقفٍ نظري.
 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((يَا أَبَا ذَرٍّ إِذَا طَبَخْتَ مَرَقَةً فَأَكْثِرْ مَاءَهَا وَتَعَاهَدْ جِيرَانَكَ))
[ رواه مسلم ]
 هذه سنّة ؛ أنْ يتهادى الجيران بعض الطّعام، وهذه تَزيدُ المودّة مودَّةً، وتزيدُ العلاقة متانةً، تزيدُ الأخوّة أخوَّةً، تزيدُ الحبّ حبًّا.
((يَا أَبَا ذَرٍّ إِذَا طَبَخْتَ مَرَقَةً فَأَكْثِرْ مَاءَهَا وَتَعَاهَدْ جِيرَانَكَ))
 قد تقَدِّمُ شيئًا لا يُذْكَر، لكن له معنى كبير.
 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
((يَا نِسَاءَ الْمُسْلِمَاتِ لَا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ))
[ رواه البخاري ]
 لا تحْقرنّ هديَّة تقدِّمها لجارتها ولو فرْسنَ شاة، وفرْسَن الشاة هو ظفرها أعليهِ لحْمٌ ؟ لا، هذا إذا كنت أيّتها الجارة لا تمْلكينَ غيره، قدِّميهِ لجارتك طبعًا ليس المَقصود تقديم ظفْر شاة، بل المقصود عدم الاسْتِحياء من إعطاء القليل، فإنّ الحِرْمان أقلّ منه.
 والنبي عليه الصلاة والسلام يأمرنا أن نأْذَنَ لِجِيراننا أن يستخدموا بعض حِيطان بيوتنا، وليس المقصود الآن حائط البيت، فالبيوت فيما مضى كانت متراكبة، فقد يحتاجُ الجار أن يضعَ خشبةً على حائط جاره، لكن المقصود أن تبْذلَ له بعض المعونة، وتسْمَحَ له بِبَعض التّصرفّات إن كانت تنْفعُهُ، ولا تؤذيك، فقد روى البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((لَا يَمْنَعْ جَارٌ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَهُ فِي جِدَارِهِ))
[ متفق عليه ]
 الآن لو أردْتَ أن تُجْري تعديلاً طفيفًا في أعماق بيتك لرأيْتَ عشَرات من حوْلكَ قد اشْتَكَوا إلى المحافظة ! تعديل داخلي، لا يؤذي أحدًا، حتى إنّ دوائر البلديّات لا تحتاج إلى موظّفين يخبرون عن المخالفات، وكلّ هذا بفضل الجيران !!! فالجيران وحدهم يخبرون عن كلّ مخالفة، قَالَ:
((لَا يَمْنَعْ جَارٌ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَهُ فِي جِدَارِهِ))
 عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ:
((إِنَّ لِي جَارَيْنِ فَإِلَى أَيِّهِمَا أُهْدِي ؟ قَالَ: إِلَى أَقْرَبِهِمَا مِنْكِ بَابًا))
[ رواه البخاري ]
 لئلاّ تقع الحجاجات، لئلاّ تقع التخذيلات، مَبْدَأ، فأنت إذا دُعِيَت إلى دَعْوَتَين، فأنت ينبغي أن تؤدّي الأولى زمنًا، المؤمن يُلبّي الأولى، إذا أردت أن تهدي جارًا فالأقرب إليك.
 عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:
((مَنْ كَانَ لَهُ شَرِيكٌ فِي حَائِطٍ فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَعْرِضَهُ عَلَيْهِ))
[ رواه أحمد ]
 أي لا يَبِعْ حقّه في الشِّرْكة أو حقّه في البيت إذا كان له جارٌ حتى يستأذن جارهُ أو شريكه، وهذا لَعَمْري لَمِن أدقّ الحقوق التي بيّنها النبي عليه الصلاة والسلام.
 الجار في نَظَر الإسلام مُعين، ناصِر، حارِس، أمين، يُطْعمُكَ إذا جُعْت يُهْدي إليك من طبْخه، ولو لم تكُن جائعًا، يُشارك في الأفراح والأتراح يُواسي ويُعزِّي في المصائب والأحزان، يُرْشِد، وينصَح، يتعاوَن معك على البرّ والتقوى، يعودُك إذا مرِضْت، يزورُك زيارة الأخوّة الخالصَة يحْفظُك في أهلك وذريّتِكَ، لا يخونك في مالٍ ولا أهلٍ ولا ولد، لو أنّ النبي عليه الصلاة والسلام وصَلَتْه أنباء الجيران اليوم !!! كيف أنّهم يُزْعِجون إزْعاجًا لا حُدود له، أدنى هذه الإزعاجات، ازْعاجات الأصوات المرتفعة التي تقْلق النائم، وتوقِظ النائم، وتفْعَلُ فِعْلها السيّئ في النّفوس، القمامات التي تُلقى، أن يسْتَعيرون حاجةً، ولا يرُدّونها، أن ينظروا إلى محارم جيرانهم، بينما عَنْتَرة العَبسي في الجاهليّة كان يقول:
وأغضّ الطرفي إن بدَتْ لي جارةٌ  حتى يُواري جارتي مَأواها
 عَدَمُ الأمانة، لذلك كَمْ مِن رجلٍ هَجَرَ بيتهُ ضجرًا من جارهِ ؟ وكم من بيْتٍ بيعَ بنِصْف ثمنهِ ؟ فِرارًا من الجار ذي الأخلاق السيّئة، كان في الشام أمير اسمهُ عبد القادر الجزائري، كان رجلاً عظيمًا، كان له جارٌ ضاقَتْ به الدنيا، واضْطرّ إلى بيْعِ بيْتِهِ فعَرَضَهُ للبيْع فَدُفِعَ له ثمنٌ بخْس، فانْفَعَل وقال: والله لا أبيعُ جِرَةَ الأمير بهذا المَبْلغ، هناك مَنْ أوْصَلَ هذا الخبَر إلى هذا الأمير، فاسْتَدْعى جارهُ وأعطاهُ المبلغ كلّه، وقال: ابْقَ جارًا لي !! إنَّك لا تبيعُ جيرتي بهذا المبلغ، وأنا لا أبيعُك أبدًا.
 من سعادة المرء أن يعيشَ مع جيرانٍ أفاضل، من مُتَع الحياة الدنيا أن تطمئنّ، إلى أنّ الذي إلى جانبك، والذي فوقك، والذي تحتك، يحبّك وتحبّه، يحفظ حرمتَكَ، وتحفظُ حرمتهُ، تحرصُ مالهُ، وتحرصُ ماله ويتفقّد أهلك، وتتفقّد أهلهُ في غيبَته، نحن نتذوّق القِيَم الإسلاميّة نظريًا، ولكن والله لو عِشناها أيها الإخوة لشَعَرنا بِسَعادةٍ لا توصَف، على الرائحة، على الوصْف نسْعَد نَطْرد، فكيف إذا عِشْناها ؟ كيف إذا عِشْنا هذه القِيَم؟ وكيف إذا كُنّا كما أراد النبي؟ كيف إذا كُنّا كما وجّهنا النبي عليه الصلاة والسلام ؟ أنا أعلمُ بيوتًا بيعَتْ بنِصْف ثمنها في بعض الأحياء في دمشق هربًا من سوء أخلاق الجيران.
 اسْتَمِعوا أيها الإخوة إلى ما قاله النبي عليه الصلاة والسلام، عن مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا ظَبْيَةَ الْكَلَاعِيَّ يَقُولُ سَمِعْتُ الْمِقْدَادَ بْنَ الْأَسْوَدِ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ:
((مَا تَقُولُونَ فِي الزِّنَا ؟ قَالُوا: حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، فَهُوَ حَرَامٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: لَأَنْ يَزْنِيَ الرَّجُلُ بِعَشْرِ نِسْوَةٍ أَيْسَرُ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَزْنِيَ بِامْرَأَةِ جَارِهِ، قَالَ فَقَالَ: مَا تَقُولُونَ فِي السَّرِقَةِ ؟ قَالُوا: حَرَّمَهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ، فَهِيَ حَرَامٌ، قَالَ: لَأَنْ يَسْرِقَ الرَّجُلُ مِنْ عَشْرِ أَبْيَاتٍ أَيْسَرُ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَسْرِقَ مِنْ جَارِهِ))
[ رواه أحمد ]
 عرّف النبي المؤمن بأنّ نفسهُ في غَناء، والناس منه في راحة، هو الإنسان حينما ينحرف، حينما يأخذ ما ليس له يُصبحُ مع نفسهِ في حرْب وهذه هي الفِطرة، فطرتهُ سليمة، فإذا حادَ عن مبادئها شعَرَ بِتَأنيب الضّمير، وشعر بما يُسمّى بِعُقدة الذّنب، دائمًا في حرْبٍ مع نفسهِ، فالمؤمن من صفاته أنَّه في غَناءٍ مع نفسه، والناس منه في راحة، أيْ علامة المؤمن أنّ الناسَ يأمنونه، ولا يقْلقون منه، لا تأتيهم منه مُقلقات رجلٌ سلام، رجل محبّة، رجل عطاء، رجل مسامحة، رجل عفْو، لذلك علامة المؤمن أنّ الناسَ يأمنونه، وعلامة المسلم أنّ المسلمون يسْلمون من يده ولسانه، السلامة غير الأمْن، قد تُسالِم فلانًا، ولا تؤذِيهِ، ولكنّه يخافُ منك، لكنّ علامة الإيمان مرتبةٌ فوق السّلامة، المسلم من سلِم المسلمون من لسانه ويده، ولكنّ المؤمن مَنْ أمِنَه الناس على أموالهم، وعلى أعراضهم، عُنْصُرُ الأمْن أبلَغ من عُنْصُر السّلامة، قد تقعُ فريسة القلق وأنت في سلامة، قد تعيشُ طول حياتك من الأمراض، لكنّك تخاف بعض الأمراض، أنت من خوف المصيبة في مصيبة، الناس قد يسْلمون ولا يأْمَنُون، لكن علامة الإيمان أنّ الناس يأْمَنُونك، لا يسْلمون منك، إذا قال قائلٌ: أنا جاوَرْتُ فلانًا ثلاثين سنة فلَمْ يُقْلِقني إطلاقًا، إذًا سلِمُوا منك، ولكنّ المؤمن لا يُمكن أن يتوقّع منك الإزعاج، فرْقٌ كبير بين السلامة والأمْن، المسلم لا يؤذي، لكنّ المؤمن يعتقدُ الناس اعتقادًا جازمًا أنَّه لا يمكن أن يؤذي، ليس هذا من شأنه، ولا من طبيعته، وهذا معنى تقول فلان لمْ يسْرق، وفلان ما كان له أن يسرق، في العبارة الأولى نفَيْتَ الحَدَث، لكن في العبارة الثانيَة نفيْتَ الشّأن كلّه.
 أيها الإخوة الأكارم، وعَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى يُحِبَّ لِجَارِهِ أَوْ قَالَ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ))
[ رواه مسلم ]
 ألا إنّ أربعين دارًا جارًا، أربعون جارًا من أربع جِهات، وهناك عشرة نحو الأعلى، أو أقلّ من ذلك، هؤلاء كلّهم جيرانك، وأنت مُطالبٌ أن تُحسِن إليهم، وأنْ تكفّ الأذى عنهم، وأن تحْتَمِلَ أذاهم، وأن تُحْسِنَ إليهم، إذا كنتَ كذلك فنحن في بَحْبوحة، ونحن في خير، والله في عَوْن العبد ما دام العبد في عون أخيه.
 والله أعرفُ رجلاً له بيتٌ أرضي، ومع هذا البيت فُسْحَة سماويّة أراد أنْ يبْنِيَ لابنه في أرض بيتِهِ، في فُسْحَة أرضِ بيتِهِ التي لا يؤذي منها أحدًا، إطلاقًا، بيتٌ أرضي له نحو الداخل فسحة، أراد أن يبنِيَ غرفة مترًا بِمِترين، لكي يتزوّج ابنه فيها، والله جارهُ الأعلى في الطابق الرابع اشْتكى عليه، وهُدِمَت له هذه الغرفة التي بناها لابنه في صَحْن داره، وأنا متأكِّدٌ، ورأيْتُ بِعَيني الغرفة، لا تُؤذي أحدًا على الإطلاق !!! أهذا جار ؟ أهذا هو الدِّين ؟ أهذا هو الإسلام ؟ يقول عليه الصلاة والسلام، ودقِّقوا في هذا الحديث، فعن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((من آذى جاره فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن حارب جاره فقد حاربني، ومن حاربني فقد حارب الله))
[ رواه أبو نعيم ]
 لأنّك أنت حينما تؤذي الجار أنت تُسْقِطُ عباداتك كلّها، وتؤكّد للناس أنّ الدِّين كلامٌ فارغ، وأنّ الدّين رابطةٌ واهيَة، الدِّينُ معاملة، الدِّين تَضْحيَة، الدِّين أمانة.
 ما قولكم بهذا الحديث الشريف، أخرج الطبراني من حديث ابن عمر قال: خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في غزاة فقال:
((لا يصحبنا اليوم من آذى جاره، فقال رجل من القوم: أنا بلت في أصل حائط جاري فقال: لا تصحبنا اليوم))
[ رواه الطبراني ]
 كي نقطف ثِمار الإسلام، بادِرْ أنت، اقْطَع لسان جارك، كيف تقْطعْهُ ؟ بالمِقصّ أم بالإحسان إليه، بادِرْ أنت السيّئ بالإحسان يصبحُ صالحًا فالسيّئ إذا أحْسنْتَ إليه حجَّمْتَهُ، حجَّمته وأربكْتهُ، وأسْكَنْتَ لِسانهُ.
 أيها الإخوة الأكارم، الحديث الذي أرويه لكم كثيرًا حينما سأل النبي عليه الصلاة فقال: أتَدْرون ما حقّ الجار ؟ قال: إذا استعان بك أعنته، وإذا اسْتنْصرَك نصرْتهُ، وإن مرضَ عُدْتهُ، وإن أصابهُ خيرٌ هنَّأتهُ، وإن أصابتهُ مصيبةٌ عزَّيْتهُ، وإن مات شيَّعْتهُ، ولا تستطل عليه بالبناء، فتحجُب عنه الرّيح إلا بإذنه، وإن اشْتريْتَ فاكهةً فأهْدِ له منها، فإن لم تفعل فأدْخِلها سرًّا.
 ماذا يُقاس على هذا التوجيه ؟ إذا أرسلْت مع ابنك إلى المدرسة فاكهة غاليَة الثّمن أو نادرة، أو قِطع من الحلويّات غاليَة جدًّا، وأكلها أمام زملائِهِ الفقراء، هذا يدخلُ في هذا التوجيه، فإذا اشْتريْتَ فاكهةً فأهْدِ له منها، فإن لم تفعل فأدْخِلها سرًّا، ولا يخرج بها ولدك لِيَغيضَ ولدهُ، ولا تؤْذِهِ بِقُتار قدرك، إلا أن تغرف له منها.
 أيها الإخوة الكرام، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزِنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أنَّ ملك الموت قد تخطَّانا إلى غيرنا، وسيتخطَّى غيرنا إلينا، فلْنتَّخِذ حذرنا ؛ الكيّس من دان نفسه وعمل إلى ما بعد الموت، والعاجز من أتبَع نفسه هواها، وتمنَّى على الله الأماني، والحمد لله رب العالمين.

***
 الخطبة الثانية
 الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وليّ الصالحين، وأشهد أنَّ سيّدنا محمّد عبده ورسوله صاحب الخلق العظيم، اللهمّ صلّ وسلِّم وبارك على سيّدنا محمَّد وعلى آله وصحبه أجمعين.
 أيها الإخوة الأكارم، هناك عِلاج ذكره النبي عليه الصلاة والسلام، مرَّةً حدّثني رجل كان في بلدٍ غربي، في هذا البلد الذي يرتكبُ مخالفةً في البيع والشّراء يُعاقبُ بالطريقة التاليَة: يوضَعُ له على باب محلّه التّجاري لَوْحة كبيرة بِحُروفٍ بارزةٍ وضّاءة أنّ هذا البائع يغشّ زبائنهُ، لا يُطالب بِغَرامات ماليّة، ولا يُغلقُ محلّه، ولا يُساق إلى السِّجن، إنّما: يوضَعُ له على باب محلّه التّجاري لَوْحة كبيرة بِحُروفٍ بارزةٍ وضّاءة أنّ هذا البائع يغشّ زبائنهُ !! هذا اسمهُ إسقاط الاعتبار الاجتماعي.
 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْكُو جَارَهُ فَقَالَ اذْهَبْ فَاصْبِرْ فَأَتَاهُ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا فَقَالَ:

((اذْهَبْ فَاطْرَحْ مَتَاعَكَ فِي الطَّرِيقِ، فَطَرَحَ مَتَاعَهُ فِي الطَّرِيقِ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَسْأَلُونَهُ فَيُخْبِرُهُمْ خَبَرَهُ فَجَعَلَ النَّاسُ يَلْعَنُونَهُ، فَعَلَ اللَّهُ بِهِ، وَفَعَلَ وَفَعَلْ، فَجَاءَ إِلَيْهِ جَارُهُ فَقَالَ لَهُ: ارْجِعْ لَا تَرَى مِنِّي شَيْئًا تَكْرَهُهُ))
[ رواه أبو داود ]
 معنى ذلك أنّ الإنسان يعيشُ بِسُمعته، ويعيشُ بِكَرامته، يعيشُ بِثَناء الناس عليه، فحينما بالغ هذا الجار بالإساءة إلى جاره، النبي عليه الصلاة والسلام أهْدَرَ كرامته، هذا لا كرامة له، ولا غيبة له، اُذْكر ما يفعلهُ لِيَحذر الناس منه.
 الحديث الأغرب، عن أبي هريرة قال: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: إن فلانة تقوم الليل، وتصوم النهار، وتفعل، وتصدق، وتؤذي جيرانها بلسانها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(( لا خير فيها، هي من أهل النار، قالوا: وفلانة تصلي المكتوبة، وتصوم رمضان، وتصدق بأثوار، ولا تؤذي أحدا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هي من أهل الجنة))
[ رواه البيهقي ]
 معنى ذلك أنّ الدّين معاملة، ولا قيمة لصلاتها الكثيرة، ولا قيمة لِصِيامها الكثير، ولا قيمة لِصَدقتها، إنما القيمة بالإحسان.
 حديث آخر، إنّ فلانة تصوم النهار، وتقوم الليل، وتؤذي جيرانها، فقال: هي في النار!
 هذه المرأة التي تبْدو مسلمة من حجابها، من سُبحتها، ولكنّها تكيد، وتفعَل، وتفرّق بين الأحبّة، وتنمّ وتغْتاب، وتؤذي الناس، وتكيد لهم حجابها، وصيامها، وصلاتها، وصدقتها، وأورادها لا ينْفعانها من الله شيئًا.
 قالوا إنّ فلانة - بالعكس - تصلّي المكتوبات فقط، وتصدّق بالأُقط، ولا تؤذي جيرانها قال: هي في الجنّة " الأقْط اللّبن سُحب خيره وجفّف.
 وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الله بن عمرو قال:
((ألا أخبركم بالثلاث الفواقر ؟ قيل: وما هن ؟ قال: إمام جائر، إن أحسنت لم يشكر، وإن أسأت لم يغفر، وجار سوء، إن رأى حسنة غطاها، وإن رأى سيئة أفشاها، وامرأة السوء، إن شهدتها غاظتك، وإن غبت عنها خانتك))
[ رواه ابن أبي شيبة ]
 الفواقر جمع فاقرة، أو فِقْرة عَظْمة الظّهر، أيْ ثلاثة يحطِّمْن عظيمات الظّهر، أيْ يقصِمن الظّهر.
 وعن أنس رضي الله عنه، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم:
((ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه، وهو يعلم به))
[ رواه البزار]
 وهذا الحديث أيضًا يقصم الظّهر،
((ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه، وهو يعلم به))
 وإذا قلتَ لا أعلم أقول لك: من لم يتفقَّد شؤون المسلمين فليس منهم، وإن قلتَ لي أعلم أقول لك هذا الحديث.
 وكم من جارٍ متعلّق بِجاره يوم القيامة، يقول: يا ربّ، سلْ هذا لما أغلق عنّي داره، ومنعني فضلهُ ؟ بل إنّ عبد الله بن عمر رضي الله عنه ذُبِحَت له ذبيحة، فقال: هل أهْدَيتُم لِجارنا، وكان جارهُ من أهل الكتاب معنى ذلك أيّ جارٍ يجبُ أن تُحسنَ إليه، ولو لم يكن مسلمًا، وهذا حديث صحيح أخذه عن النبي صلى الله عليه وسلّم.
الدعاء
 اللهمّ اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيْت، وتولَّنا فيمن تولّيْت، وبارك اللّهم لنا فيما أعْطيت، وقنا واصْرف عنَّا شرّ ما قضَيْت فإنَّك تقضي ولا يُقضى عليك، إنَّه لا يذلّ من واليْت، ولا يعزّ من عادَيْت، تباركْت ربّنا وتعاليْت، ولك الحمد على ما قضيْت نستغفرك اللهمّ، ونتوب إليك، اللهمّ هب لنا عملاً صالحًا يقرّبنا إليك، اللهمّ أعطنا ولا تحرمنا، وأكرمنا ولا تهنّا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وأرضنا وارضَ عنَّا، وأصْلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصْلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصْلح لنا آخرتنا التي إليها مردُّنا، واجْعل الحياة زادًا لنا من كلّ خير، واجعل الموت راحةً لنا من كلّ شرّ، مولانا ربّ العالمين، اللهمّ اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمَّن سواك، اللهمّ لا تؤمنَّا مكرك، ولا تهتِك عنَّا سترَك، ولا تنسنا ذكرك، يا رب العالمين، اللهمّ إنَّا نعوذ بك من عُضال الداء، ومن شماتة العداء، ومن السَّلْب بعد العطاء، يا أكرم الأكرمين، نعوذ بك من الخوف إلا منك، ومن الذلّ إلا لك، ومن الفقر إلا إليك، اللهمّ بفضلك ورحمتك أعلِ كلمة الحقّ والدِّين، وانصر الإسلام، وأعزّ المسلمين، وخُذ بيَدِ وُلاتهم إلى ما تحبّ وترضى، إنَّه على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير.
والحمد لله رب العالمين

إرسال تعليق

 
Top