حين استتبَّ الأمر لعبد الرحمن الداخل في أرض الأندلس، وبعد أن انتهى نسبيًّا
من أمر الثورات بدأ يُفَكِّر فيما بعد ذلك، فكان أن اهتمَّ بالأمور
الداخلية للبلاد اهتمامًا كبيرًا؛ فقام بما يأتي:
أولاً: إنشاء جيش قوي
وفي بنائه لجيشه الجديد عمل على ما يلي:
1- اعتمد في تكوين جيشه على العناصر التالية
أ - اعتمد في الأساس على عنصر المولَّدين، وهم الذين نَشَئُوا نتيجة انصهار وانخراط الفاتحين بالسكان الأصليين من أهل الأندلس.
ب - اعتمد كذلك على كل الفصائل والقبائل الموجودة في بلاد الأندلس، فضمَّ إليه كل الفصائل المُضَرِيَّة؛ سواء كانت من بني أمية أو من غير بني أمية، إلاَّ أنه بعد ثورة اليمانية لمقتل أبي الصباح اليحصبي[1] صار لا يطمئن إلى العرب، فأكثر مِنَ اتخاذ المماليك من غير العرب لا سيما البربر، حتى صار له منهم أربعون ألفًا، وبهم استقرَّ ملكه[2].
ج - كذلك اعتمد على عنصر الصقالبة[3]؛ وهم أطفالٌ نصارى كان قد اشتراهم عبد الرحمن الداخل من أوربا، ثم قام بتربيتهم وتنشئتهم تنشئةً إسلامية عسكرية صحيحة.
وبرغم قدوم عبد الرحمن الداخل إلى الأندلس وحيدًا، فقد وصل تعداد الجيش الإسلامي في عهده إلى مائة ألف فارسٍ[4] غير الرجَّالة، مشكَّلاً من كل هذه العناصر السابقة، والتي ظلَّت عمادَ الجيش الإسلامي في الأندلس لدى أتباع وخلفاء وأمراء بني أمية من بعده.
2- إنشاء المصانع ودور الأسلحة
أنشأ عبد الرحمن الداخل -صقر قريش- دُورًا للأسلحة؛ فأنشأ مصانع السيوف ومصانع المنجنيق، وكان من أشهر هذه المصانع مصانع طُلَيْطلَة ومصانع برديل.
3- إنشاء أسطول بحري قوي
أنشأ -أيضًا- أسطولاً بحريًّا قويًّا، بالإضافة إلى إنشاء أكثر من ميناء؛ كان منها ميناء طُرْطُوشة وألمَرِيَّة وإِشْبِيلِيَة وبَرْشُلُونَة وغيرها من المواني.
4- تقسيم ميزانية الدولة
كان عبد الرحمن الداخل يُقَسِّم ميزانية الدولة السنوية إلى ثلاثة أقسام: قسم يُنفقه بكامله على الجيش، والقسم الثاني لأمور الدولة العامَّة من مؤنٍ ومعمارٍ ومرتباتٍ ومشاريعَ وغير ذلك، والقسم الأخير كان يدَّخره لنوائب الزمان غير المتوقَّعة.
ثانيًا:الاهتمام بالعلمَ والجانبَ الدينيَّ
أعطى عبد الرحمن الداخل العلم والجانب الديني المكانة اللائقة بهما؛ فعمل على الآتي:
- نَشْر العلم وتوقير العلماء.
- اهتمَّ بالقضاء والحسبة.
- اهتمَّ بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
- كان من أعظم أعماله في الناحية الدينية بناء مسجد قُرْطُبَة الكبير، والذي أنفق على بنائه ثمانين ألفًا من الدنانير الذهبية، وقد تنافس الخلفاء من بعده على زيادة حجمه؛ حتى تعاقب على اكتماله في شكله الأخير ثمانية من خلفاء بني أميَّة[5].
وكان من العلماء في أيامه معاوية بن صالح بن حدير بن سعيد الحضرمي، وكان من جِلَّة أهل العلم ومن كبار المحدِّثين، وقد أخذ عنه جملة من الأئمة؛ منهم: سفيان الثوري، وابن عيينة، والليث بن سعد، ويُذْكَر أن مالك بن أنس قد روى عنه حديثًا، وكان عبد الرحمن الداخل قد ولاَّه القضاء[6].
وكان من علماء الأندلس في عهده -أيضًا- سعيد بن أبي هند، والذي لَقَّبه الإمام مالك بن أنس / بالحكيم؛ لِمَا عُرِفَ عنه من رجاحة عقله، وقد توفي أيام الداخل[7].
ثالثًا: العناية الكبيرة بالجانب الحضاري المادي
ويبرز ذلك في الجوانب التالية:
إرسال تعليق